مقدمة :

الدكتور محمد راتب :
 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
المذيع:
اللهم آمين .
 ربنا صل وسلم ، أنعم وأكرم ، على نبينا ورسولنا محمد صلواتُ الله وسلامه عليه .
 السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، مستمعينا الأكارم أينما كنتم على الهواء عبر أثير إذاعتكم حياة FM ، على الهواء مباشرةً ، في حلقة جديدة من مجلس العلم والإيمان مع فضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي .
 اليوم يوم جميل ، وسعيد بفضل الله رب العالمين ، بعد غياب دام لأكثر من شهرين يعود فضيلة العلّامة الدكتور محمد راتب النابلسي لينورنا بالأستوديو ، هنا في عمان ، في إذاعة حياة FM ، شيخنا الحبيب ، الحمد لله على السلامة .
الدكتور محمد راتب :
 سلمكم الله وبارك بكم .
المذيع:
 أهلاً وسهلاً بفضيلتكم ، حياكم الله دكتور ، نورت الإذاعة ، ولكم مكانة كبيرة والله شيخنا ، لدينا ولدى كل المستمعين .
الدكتور محمد راتب :
 بارك الله بك ، هذا من لطفكم .
المذيع:
 حياكم الله دكتور ، وأهلاً وسهلاً بكم .
 شيخنا الحبيب فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي نتحدث اليوم عن الفرائض ، وعن السنن ، بين الفريضة والسنة ، حلقتنا لهذا اليوم تطرح عدة تساؤلات ، من هذه التساؤلات يقول البعض : إن السنة لا يعاقب تاركها ، فلمَ لا نتركها ؟ فيزهدون بها ، وبين بعض الأشخاص الذين يهتمون ببعض النوافل قبل أن يهتموا بالسنن ، ببعض النوافل قبل أن يهتموا ببعض الفرائض ، فهل من خلل في هذه الأولوية والفهم والترتيب ، نبدأ حلقتنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم بحديثٍ قدسي عن ربنا تبارك وتعالى :

(( عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : قال الله تعالى : من عادى لي وَلِيّا ، فقد آذَنتُه بحرب ، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مِنْ أداءِ ما افترضتُ عليه ، ولا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أُحِبَّهُ ، فإذا أحببتُهُ كُنتُ سمعَه الذي يسمع به ، وبصرَه الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألَني أعْطَيتُه ، وإن استَعَاذَ بي أعَذْتُه ، وما تردَّدتُ عن شيء أنا فاعله ، تردّدي عن نفس المؤمن ، يكره الموت وأنا أكره مَساءَتَه))

[أخرجه البخاري]

 شيخنا هل لنا أن نبدأ بتوضيح المصطلحات ؛ ماذا تعني فريضة ؟ وماذا تعني سنة ؟

ضرب الأمثال من خصائص القرآن الكريم :

الدكتور محمد راتب :
 أولاً من إعجاز القرآن الكريم بادئ ذي بدء ضربُ المثل منهجٌ قرآني ، الدليل :

﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43) ﴾

[ سورة العنكبوت]

 آية ثانية :

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) ﴾

[ سورة العنكبوت]

 إذاً من منهج القرآن الكريم ، من خصائص القرآن الكريم ضربُ الأمثال ، هذا تمهيد لسؤالك ، أي استنشاق الهواء فرض ، شرب الماء فرض ، تناول فاكهة معينة ليس فرضاً ، الشيء الذي إن لم يطبق أنهى الحياة فرض ، فالبنزين في السيارة فرض ، والعجلات فرض ، والمحرك فرض ، أما هناك أشياء تزيينية ليست فرضاً ، أقرب المعنى من الناس ؛ الفرض لابد من أن تفعله قطعاً وإلزاماً ، وإلا فقدت سرّ وجودك وغاية وجودك ، الحياة بلا أداء فرائض لا معنى لها ، لأن فيها سؤالاً كبيراً ، الإنسان العادي الذي شرد عن الله ، يدخل مدرسة يتخرج ، يشتري بيتاً ، يتزوج ، ينجب أولاداً ، خطه البياني صاعد صاعد صاعد ، احتل مركزاً مرموقاً ، جمع ثروة جيدة، اشترى بيتاً آخر بالمصيف ، اشترى سيارة ثانية لزوجته ، طالع طالع طالع ، يأتي ملك الموت يرجعه إلى الصفر ، لا بيت ، ولا سيارة ، ولا زوجة ، ولا أولاد ، ولا لقاءات ، ولا سهرات ، ولا سفر ، ولا سياحة ، كله انتهى ، إلا المؤمن ، بعد أن عرف الله ، وآمن بالآخرة ، فالنقلة من الحياة إلى ما بعد الحياة ، نقلة بأدق التشبيهات نوعية

﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ﴾

 الموت تحفة المؤمن ، والموت عرس المؤمن ، فالإنسان إذا عرف الله عرف كل شيء ، ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء .

العاقل من يدخل الموت في حساباته اليومية :

 الآن نظرة سريعة لمكونات الحياة ؛ عندنا جماد ، أي صخرة لها وزن ، ولها حجم ، ولها طول ، ولها عرض ، ولها ارتفاع ، بماذا يزيد النبات على الجماد ؟ ينمو ، أُضيف لخصائص الجماد النمو ، صار نباتاً ، والحيوان ؟ له وزن ، وحجم ، وطول ، وعرض ، وارتفاع ، وينمو كالنبات ، إلا أنه يتحرك ، الهرة تمشي ، الحيوانات تمشي ، أخدنا الجماد عبارة عن وزن ، حجم ، طول ، عرض ، ارتفاع ، النبات يضاف عليه النمو ، والحيوان يضاف عليهما بالحركة ، والإنسان ؟ له وزن ، وحجم ، وطول ، وعرض ، وارتفاع كالجماد ، وله خاصية النمو كان صغيراً صار كبيراً ، شابه النبات ، ويمشي يتحرك ، شابه بقية المخلوقات ، بماذا يتميز الإنسان عن بقية المخلوقات ؟ الله أودع فيه قوةً إدراكية ، هذا القوة الإدراكية إن لُبيت كان إنساناً ، وإن لم تُلبَّ أقول لك كلاماً دقيقاً ، فلنستمع إلى القرآن الكريم ، إن لم تُلبَّ ، أكل ، شرب ، تزوج ، اشترى بيتاً، اشترى بيتاً بالمصيف ، اشترى سيارة ، سهرات ، لقاءات ، نزهات ، هذا الإنسان المعاصر إن لم يعرف الله ، فقد أثمن شيء خلقه الله عز وجل ، والإنسان أُعطي قوة إدراكية ، هذه تُلبى بطلب العلم ، فإن لم تُلبَّ بطلب العلم ، الآن نستمع إلى أوصاف القرآن لهذا الإنسان الذي شرد عن الواحد الديان ، أول وصف :

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ (21 )﴾

[ سورة النحل]

 ضغطه 8/12 مثالي ، ونبضه ثمانون نبضة بالدقيقة مثالي ، عند الله ميت ، عند الله خالق الأكوان ، خالق السماوات والأرض ، الله قال :

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾

.
 الإنسان يحيا بإيمانه ، يحيا بالمُثل العليا ، يحيا بقيمه ، يحيا بإدراك عميق جداً أن هناك موتاً ، ماذا بعد الموت ؟ عفواً أخي الكريم ؛ شيء مخيف ، من بيت أربعمئة متر أحياناً ، زوجة ، أولاد ، بنات صبايا ، أصهار ، كنائن ، سهرات ، رحلة ، سياحة ، من كل شيء إلى قبر ، عبدي رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبقَ لك إلا أنا ، وأنا الحي الذي لا يموت .
 والله الذي لا إله إلا هو لم أجد على وجه الأرض إنساناً أعقل ممن أدخل الموت في حساباته اليومية .

﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)﴾

[ سورة المؤمنون]

 قال :

﴿ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ( 100 )﴾

[ سورة المؤمنون]

 فلذلك سيدي الأمثال مضروبة ، أنا مثلت ، مثلت المؤمن ، عرف سرّ وجوده ، وغاية وجوده

﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً ﴾

 وسمّي العمل صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله ، ومتى يصلح ؟ إذا كان خالصاً وصواباً ، خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وافق السنة .
المذيع:
 جميل ! سيدنا في ظل هذا الكلام الرائع ، وهذه المقدمة التي تفسر للإنسان سبب وجوده ، وأن يدرك النعمة التي امتاز بها عن باقي المخلوقات ، حينما نتحدث كمصطلح شرعي دكتور ونقول : فرض ، وحينما نتحدث كمصطلح شرعي ونقول : نافلة أو سنة ، ما الذي يراد بهما ؟

الفرض فاعله مأجور وتاركه معاقب :

الدكتور محمد راتب :
 الفرض مطلوب منك أن تفعله قطعاً ، إلزاماً .
المذيع:
 لكل الناس ، لكل الأفراد .
الدكتور محمد راتب :
 كما قلت قبل قليل ، استنشاق الهواء فرض ، لا يوجد هواء هناك موت .
المذيع:
 إذاً شيخنا فاعل الفرض مأجور ؟
الدكتور محمد راتب :
 طبعاً .
المذيع:
 وتاركه ؟
الدكتور محمد راتب :
 معاقب .
المذيع:
 يعاقب شرعاً .
الدكتور محمد راتب :
 خسر الآخرة .
المذيع:
 كالصلوات الخمس .
الدكتور محمد راتب :

﴿ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15) ﴾

[ سورة الزمر]

 من هم ؟

﴿ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾

المذيع:
 حتى يوضح شيخنا أمثلة على الفرائض ، الصلوات الخمس ، وماذا أيضاً دكتور ؟
الدكتور محمد راتب :
 صيام رمضان ، حج البيت ، أداء الزكاة ، هذه العبادات الشعائرية ، ولكن يوجد عندنا أيضاً عبادات تعاملية .
المذيع:
 فيها فرض أيضاً دكتور ؟

العبادة شعائرية وتعاملية :

الدكتور محمد راتب :
 طبعاً ، أنت مثلاً صيدلي ، ممكن تاريخ نهاية الفعالية تحكه مثلاً ، فلن يستطيع المريض أن يعرف مدة الدواء ، وأنت بعت دواء لا يحقق الهدف ، فنحن بحياتنا اليومية أنا لي مصطلح أرويه دائماً وبعضهم له رأي آخر : الشرع هو تعليمات الصانع ، الخالق ، المطلق ، العليم ، الرحيم ، الحكيم ، تعليماته تبدأ من فراش الزوجية وهي أخص خصوصيات الإنسان ، وتنتهي بالعلاقات الدولية .
 والله لا أبالغ إذا الصلاة ، والصوم ، والحج ، والزكاة ، والشهادة خمسة ، العبادة التعاملية تقول لي : ألفاً ، قد يكون خمسة آلاف ؛ كسب المال ، إنفاق المال ، سهراتك ، لقاءاتك ، تمضية أوقات فراغك ، يوم العطلة أين تذهب ؟ الشاشة مضبوطة أم غير مضبوطة ؟ الدخل مضبوط أم غير مضبوط ؟ هناك بنود أنا أقول هذا من باب الدقة تبدأ من فراش الزوجية وهي أخص خصوصيات الإنسان وتنتهي بالعلاقات الدولية .
المذيع:
 الله يفتح عليك ؛ إذاً شيخنا ، الفرض عبادة فاعلها يؤجر ، وتاركها يحاسب .
الدكتور محمد راتب :
 يحاسب في الدنيا والآخرة .
المذيع:
 جزء منها شعائري كالصلوات الخمس ، وصيام رمضان ، وجزء منها في التعامل ، الآن النوافل دكتور .

الطرق للمعصية لا تعد ولا تحصى :

الدكتور محمد راتب :
 قبل ، نحتاج للتعاملية شاهداً ، النجاشي سأل سيدنا جعفر عن الإسلام قال :

(( عن أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها ابنة أبي أمية بن المغيرة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : لمّا نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها حين جاء النجاشي ، فذكر الحديث بطوله . وقال في الحديث ، قالت : وكان الذي كلّمه جعفر بن أبي طالب ، قال له : أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف ، فكنا على ذلك ))

 هي الجاهلية؟!...

(( حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ، فدعانا إلى الله لتوحيده ، ولنعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ، ونهانا عن الفواحش ، وقول الزور ، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنة ، وأن نعبد الله لا نشرك به شيئاً ، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام ، قالت: فعدّد عليه أمور الإسلام ، فصدقناه ، وآمنا به ، واتبعناه على ما جاء به من عند الله ، فعبدنا الله وحده ولم نشرك به ، وحرّمنا ما حرم علينا ، وأحللنا ما أحلّ لنا))

[أخرجه ابن خزيمة في صحيحه]

 إن تكلم فهو صادق ، إذا عاملته فهو أمين ، إن استثيرت شهوته فهو عفيف ، ويأتي تاج النسب تاجاً على هذه الخصائص .
 الآن أذكر عنوانين : كسب مالك ، هناك دخل حرام ، دخل ربوي ، بضاعة محرمة ، بضاعة لا ترضي الله ، فيها خمور ، فيها تفلت ، فيها لقاء شباب مع شابات ، مقاه حديثة ، هناك فروع كثيرة ، فيها معاص ، فهذا المنهج الإلهي غير الصلاة ، والصوم ، والحج ، والزكاة ، هذا يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية ، فلابد من طلب العلم .
 عفواً ، لو مادة غذائية مكتوب عليها : Made in Germany فرضاً ، وهي ليست كذلك ، هذا كذب ، سيدي الطرق للمعصية لا تعد ولا تحصى ، فالمسلم عندما يتهاون بالتفاصيل دون أن يشعر وضع بينه وبين الله حجاباً .

﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15 ) ﴾

[ سورة المطففين]

 أخطر عقاب للمؤمنين الحجاب ، محجوب عن الله عز وجل .
المذيع:
 والعياذ بالله ! الآن دكتور ، هذا بالنسبة لمن يرتكب هذا الإثم ، ويقصر في الفرائض ، ويعاقب والعياذ بالله ، ماذا بالنسبة للناس الذين نسوا السنة ؟ هي ليست فريضة أي لا يلزم كل الناس بأدائها كالفرائض ، صحيح ؟

الحكمة من وجود السنن قبل الفرض وبعده :

الدكتور محمد راتب :
 أنا مضطر أن أضرب مثلاً : من معلوماتي المتواضعة أن أكثر السيارات قديماً لابد من أن يدور المحرك لفترة قد تكون عشر دقائق ، يسمونها : تسخين المحرك ، مرة شخص قادم من حلب إلى الشام ، على بولمان راق جداً ، توقف ، لم يطفئ المحرك ، سألت ؟ قال : يجب أن يبقى عشر دقائق وهو يعمل ، هذا صار فرضاً ، له مقدمة السنة ، وينتهي بسنة .
المذيع:
 ما الحكمة من وجود السنن قبل الفرض وبعد الفرض ؟
الدكتور محمد راتب :
 فيها محاولات ، فإذا صار شرود بالسنة ، يتلافى هذا بالفرض .
المذيع:
 أي لا يبدأ الإنسان صلواته بالفرض ، وينهيها بالفرض .
الدكتور محمد راتب :
 نحن عندنا صلوات ، يوجد سنن وفرائض ، طبعاً الفرض فرض ، لا يوجد خيار ، السنة فيها خيار ، لكن نحن عندما نقصر فيها يمكن أن نسجد سجود السهو بالفرض ، كأن الله أراد أن تمهد لهذا الفرض وأن تجعل له متابعة .
المذيع:
 كأن الإنسان يبدأ الدخول بعالم آخر .
الدكتور محمد راتب :
 هناك سنة قبلية ، وسنة بعدية ، الفرض فرض ، الفرض إذا سبقه سنة قبلية كأنك سخنت المحرك ، وإذا بعده سنة أخرى كأنك بعد ربع ساعة أطفأت المحرك .
المذيع:
 المقصود بالتسخين هنا دكتور كأن الإنسان يبدأ يتهيأ بالخشوع وبالوقوف بين يدي الله ويحضر نفسه للصلاة ؟
الدكتور محمد راتب :
 مثلاً إنسان يريد أن يقابل الوزير بعد أيام ، يربط ربطة العنق ، يتجهز بكامل أناقته مع شخص من أهل الأرض فكيف مع خلق السماوات والأرض ؟
المذيع:
 ونعم بالرحمن سبحانه وتعالى ، الله يفتح عليكم دكتور ، سوف نطرح مجموعة من القضايا شيخنا بعد الفاصل ، أهمها إذا كان الفرض يؤجر فاعله ، ويحاسب تاركه ، والسنة يؤجر فاعلها ، لكن لا يأثم تاركها ، هل معنى ذلك أن الإنسان له الاختيار يفعلها أو يتركها متعمداً ، هذا السؤال نطرحه على فضيلتك بعد الفاصل دكتور ، لنستمع إلى إجابة وافية من فضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، لكن بعد الفاصل .
 حياكم الله مستمعينا الأكارم من جديد على الهواء ، عبر أثير إذاعتكم حياة FM مع فضيلة العلّامة المربي الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أهلاً بشيخنا من جديد .
الدكتور محمد راتب :
 بارك الله بكم ، ونفع بكم .
المذيع:
 حفظكم الله دكتور ، قبل الفاصل شيخنا نوهت للمستمعين الكرام بأن الفرض هو كأساسيات الإنسان ، كشرب الماء ، والهواء لا يعيش بدونه ، وهكذا في الشريعة لا يمكن للإنسان أن يقصر فيه ، فتاركه يحاسب في الدنيا والآخرة عقاباً ، وفاعله مأجور ، أما النافلة فهي كالأشياء الإضافية التي يمكن أن تكون وألا تكون ، فاعلها مأجور ، وتاركها لا يأثم .
 الآن دكتور ، بعض الأشخاص باعتبار أن النافلة ليست فريضة ، وليس ملزماً شرعاً بها ، ولا يأثم إن تركها ، أصبح يتعمد أن يكون هاجراً للنوافل ، مثلاً أراد أن يصلي الظهر، يصلي فريضة الظهر أربع ركعات ، ويتعمد ألا يصلي قبل وبعدها بشكلٍ دائم ، هل هذا يعتبر خلل أم أن ذلك هو أمر اختياري له دكتور ؟

الدين منهج تفصيلي وهو سبب السعادة والسلامة :

الدكتور محمد راتب :
 والله يوجد حالات استثنائية ضرورية أحياناً ، مضطر مثلاً أن يتجاوز السنة بحالات محدودة جداً ، مثلاً بالمطار الإقلاع بعد عشر دقائق ، أي يأخذ الفرض ، ويقصر بالصلاة ، أما من دون سبب فهذه استهانة للسنة ، ما الدليل ؟

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59)﴾

[ سورة المؤمنون]

 طاعة النبي استقلالاً ، لو أن الفرض أربع ركعات ، لكن يوجد قبلها سنة قبلية وبعدية

﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾

 أما أولو الأمر فلا يوجد استقلال

﴿ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾

 ما قال : وأطيعوا ، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
 هذا الدين سيدي منهج تفصيلي ، وسبب السعادة ، وسبب السلامة ، الآن بالأرض كم مليون يوجد ؟ ثمانية مليارات ، فيهم واحد يحب الفقر أو القهر أو المرض ؟ ولا واحد ، يوجد ثمانية مليارات إنسان هل يتمنى إنسان ألا يكون بيته جديداً ؟ وزوجته يحبها ؟ وأولاده أبراراً ؟ وأحفاده صالحين ؟ كلنا ، إذاً عندنا قواعد ثابتة تشمل كل البشرية بشكل أو بآخر .

الفلاح والنجاح :

 يقع على رأس هذا الهرم البشري ثمانية مليارات ، يقع على رأس الهرم البشري زمرتان ؛ الأقوياء والأنبياء ، الأقوياء ملكوا الرقاب ، والأنبياء ملكوا القلوب ، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا ، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا ، الأقوياء عاش الناس لهم ، والأنبياء عاشوا للناس ، الأقوياء يمدحون في حضرتهم ، والأنبياء في غيبتهم ، والناس جميعاً تبعٌ لنبي أو قوي ، والبطولة سأقول كلمة دقيقة : وبطولة الأقوياء أن يتخلقوا بأخلاق الأنبياء ، فإذا كنت قوياً تخلق بأخلاق الأنبياء ، شيء مهم جداً ، صار عندنا أقوياء وأنبياء ، وكل فريق له أربع خصائص ، فكل البطولة ، والذكاء والنجاح ، والفلاح ، بالمناسبة تقول لي : نجاح ، لم ترد هذه الكلمة في القرآن ولا مرة .
 بيل غيتس يملك ثلاثة وتسعين ملياراً ، شركة جوبز سبعمئة مليار ، هذا نجاح ، جوبز قال على فراش الموت : هذا الرقم لا يعني عندي شيئاً إطلاقاً .
 فالفلاح أن تعرف الله ، وأن تعرف منهجه ، وأن تعبده ، وأن تحبه ، وأن تدعو إليه ، هذا واحد ، ثانياً : أن تحسن اختيار زوجتك لأنها أم أولادك ، سوف تربيهم ، فبيتك حلقة ثانية ، أنت حلقة ، عقيدتك ، إيمانك ، حركتك ، كسب مالك ، إنفاق مالك ، لقاءاتك ، أداء العطلة ، أداء علاقاتك مع الأقوياء ، مع ، مع ، هذا شيء تفصيلي ، هذا المنهج الأول .

الدين قطع كله وهو من عند الخالق العظيم :

 الشيء الثاني : أنت عندك يقين حتى عرفت الله ، هذا اليقين أنواع ، يقين حسي ؛ أنا أمامي كأس شاي ، أنا بيدي حملتها ، وبيدي شعرت بحرارتها ، فاليقين الحسي من مهمة الحواس الخمس ، واستطالاتها ، الميكروسكوب استطالة للحس ، والميكروسكوب استطالة ، أنا عندي يقين حسي ، ما الدليل ؟

﴿ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) ﴾

[ سورة التكاثر]

 الدليل قرآني ، تمنى الله علينا أن نعلم علم اليقين ، وكلا : حرف إضراب ، ألغِ كل شيء ، هل تعلم علم اليقين ؟ ما هو اليقين ؟ إذا كان الإدراك ثلاثين بالمئة ، أي مصداقية الكلام ثلاثون بالمئة ، اسمه وهم ، ثلاثون بالمئة وهم ، خمسون بالمئة شك ، سبعون بالمئة ظن ، تسعون بالمئة غلبة ظن ، مئة بالمئة قطع ، من وهم ، شك ، ظن ، غلبة ظن ، قطع ، الدين كله قطع ، من عند الخالق ، من عند المطلق .
 قاض حكم سبعين سنة ، أربعين سنة ، وأصدر سبعة آلاف حكم مثلاً ، وبحكم واحد ، أو بحكمين كان هناك معلومة تنقصه ، فجاء الحكم بخلاف الأولى ، يسمى في الأرض كلها : القاضي العادل ، لكن الله ليس هكذا ، الله مطلق ، لا يمكن أن يكون هناك خطأ بشيء من أفعاله.

تعلق إرادة الله بالحكمة المطلقة :

 لذلك قالوا : كل شيء وقع بالقارات الخمس ، هذا الرقعة المكانية ، والزمانية ، من آدم ليوم القيامة أراده الله ، معنى أراده لا تعني أنه أمر به ، ولا تعني أنه رضيه ، بل سمح به ، فرق دقيق .
 مثلاً أب ذكي جداً ، طبيب كبير ، تزوج امرأةً يحبها كثيراً ، لكن لم ينجب ، وهو يغار، أي لا يحب أن يزعجها بزوجة ثانية مثلاً ، فهذا الرجل بعد عشر سنوات جاءه طفل آية في الجمال ، تعلق به تعلقاً مذهلاً ، هذا الطبيب الأب الولهان بابنه اكتشف أن ابنه معه التهاب زائدة، سيسمح بأخذه للمستشفى ، وتخديره ، وفتح بطنه ، واستئصال الزائدة ، واضحة تماماً ؟
 فكل شيء وقع بالقارات الخمس أراده الله ، أي سمح به ، لم يأمر ، ولم يرضَ ، وكل شيء أراده الله وقع معكوسة ، والإرادة الإلهية متعلقة بالحكمة المطلقة ، والحكمة المطلقة متعلقة بالدليل المطلق .
 نحن عندنا أول شيء : علمٌ بخلقه ، قلنا إن الوهم ثلاثون بالمئة ، والشك خمسين بالمئة ، والظن سبعين بالمئة ، وغلبة الظن تسعين بالمئة ، والقطع ، الدين كل حقائقه قطع .
المذيع:
 وهنا يكون دور الإنسان باليقين ، الله يفتح عليكم يا رب .
 ذكرت قبل قليل نقطة مهمة شيخنا الحبيب ، بأن الأصل أن تكون السنة موجودة في حياة الإنسان ، يوجد استثناءات ، حالات انشغال شديدة ، كالسفر أو ما شابه ، لو قصر في بعض السنن لا بأس ، الآن دكتور لو كان منهجه أن يهجر هذه السنن ؟

من هجر السنة خالف القرآن :

الدكتور محمد راتب :
 خالف القرآن ، كيف ؟

﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾

 استقلالاً ، ليس لها علاقة بالقرآن .
المذيع:
 سيأتي شيخنا من يقول لكم : لو أراد الله لنا أن نؤدي كل السنن لألزمنا بها ، وجعلها فرائض ، لماذا جعلها الله في مرتبةٍ أقل من الفريضة كي لا نلزم بها ؟

من تمسك بالسنن لا يضل عقله ولا تشقى نفسه :

الدكتور محمد راتب :
 كان هناك مشقة على عباده .
المذيع:
 إذاً شيخنا الأصل أن يكون هنالك تمسك بهذه السنن ، وهي أخف من الفرائض لو تركها أحياناً .
الدكتور محمد راتب :

﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ( 123 )﴾

[ سورة طه ]

 لا يضل عقله ، ولا تشقى نفسه .
المذيع:
 شيخنا ؛ في قول النبي صلى الله عليه وسلم :

(( عن الحسن البصري رحمه الله قال : اجتمع نفر فقالوا : لو بعثنا إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فسألناهن عن أخلاقه ، فبعثوا إليهن ، فقلن : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وينام ، ويصوم ويفطر ، وينكح النساء ، قالوا : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فقال بعضهم : أقوم الليل ولا أنام ، وقال بعضهم : أصوم النهار ولا أفطر ، وقال بعضهم : أدع النساء فلا آتيهن فإن فيهن شغلاً ، فاطلع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ، فقال : ( ما بال رجال يتحسسون على شأن نبيهم ، فلما أخبروا به رغبوا عنه ، فقال بعضهم كذا ، وبعضهم كذا ) . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لكني أنام وأقوم ، وأفطر وأصوم ، وأنكح ، فمن رغب عن سنتي فليس مني )) .

[أخرجه الحارث في مسنده]

 هل معنى هذا أن الإنسان الذي يرغب ، أو يقصر بالسنن أصبح هاجراً للنبي ، وبالتالي ليس من أمة النبي أم لا تفهم بهذا السياق أو بهذا التفصيل ؟

تقييم العباد من شأن رب العباد :

الدكتور محمد راتب :
 والله التقييم ، الكلمة الدقيقة الدقيقة : تقييم العباد من شأن رب العباد ، والإنسان ليس مكلفاً أن يطلق على الآخرين صفات معينة .

﴿ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً ( 17 )﴾

[ سور الإسراء]

 أما تقييم العباد فمن شأن رب العباد .
المذيع:
 جميل ! إذاً الأصل أن يؤدي الإنسان الفرائض ، وأن يؤدي ما استطاع من السنن ، هناك حالات استثناء يقصر فيها ، لكن لا يهجرها متعمداً .
 سأستأذنكم شيخنا ، بإتاحة الفرصة لمستمعينا الكرام الراغبين بالمشاركة بموضوع الحلقة عن الفرائض والسنن .
 معنا سيف الإسلام من ليبيا ، تفضل أخي ، أهلاً وسهلاً بك معنا .

أسئلة وأجوبة :

المستمع :
 السلام عليكم ، مرحباً بك أستاذي ، وبفضيلة العلّامة الدكتور محمد راتب النابلسي ، بصراحة مداخلتي ليس لدي أي سؤال ، وليس لدي أي استفسار ، فقط أريد أن أقول للدكتور محمد راتب النابلسي : إنك أنت كنت سبب قربي من الله عز وجل ، أخذت عهداً على نفسي أن أتصل بك في يوم من الأيام وأبلغك هذا الأمر ، وأشكرك الشكر الجزيل على كل كلماتك ، وكل فيديوهاتك ، التي ذكرت فيها عن أمر التفاؤل ، وخاصةً بعد مروري بحالة مرضية صعبة ، وبعدها بصراحة بدأت متابعتي للدكتور محمد راتب النابلسي ، الذي أثر في بصراحة بشكل كبير جداً ، وبث الثقة بداخلي ، وردني إلى الطريق الصحيح ، بصراحة أنا أريد أن أشكرك الشكر الجزيل ، ومداخلتي هنا لشكر الدكتور محمد راتب النابلسي على ما قدمه لي ، بشكل غير مباشر، ونحن الشباب في الوطن العربي نحتاج إلى مشايخ ودكاترة ، مثل العلّامة الدكتور محمد راتب النابلسي ، الذي يبث فينا روح الأمن والتفاؤل ، وخاصةً في فترة الكورونا ، شيخ محمد راتب النابلسي خصوصاً هناك فيديو ظهر فيه يتحدث عن كيفية التعامل مع الكورونا ، هذا الفيديو أردت أن أبلغك دكتور أنه أعطى فعلاً طابعاً كثيراً لدى الشباب ، ولدى جميع الناس التي تؤمن بالله ، وبث فينا روح الأمن في ظل الظروف الصعبة التي مررنا بها في فترة الكورونا ، فشكراً جزيلاً لك دكتور ، ونسأل الله أن يطمئننا عليك دائماً بالخير ، ويطيل عمرك .

الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم :

الدكتور محمد راتب :
 لكن أريد أن أقول لك كلمة دقيقة : الله قال :

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)﴾

[ سورة فصلت]

 أي مؤمن على الإطلاق يمكن أن يكون داعية إلى الله ، لكن في حدود ما يعلم ومع من يعرف ، حضرت خطبة بالمدينة ، الخطيب أجاد في شرح آية ، ذكرت الشرح لزوجتك ، فأنت داعية ، إلى صديقك ، إلى زميلك ، إلى أخيك ، فالدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم ولكن في حدود ما يعلم ومع من يعرف .
المذيع:
 الله يفتح عليكم دكتور ، بارك الله بك .
أم مراد معنا باتصال جديد ، تفضلي .
المستمعة :
 السلام عليكم ، أعطاك الله العافية ، وشكراً على البرنامج ، الحمد لله على سلامتك دكتورنا العزيز الغالي .
الدكتور محمد راتب :
 سلمك الله ، أهلاً وسهلاً ومرحباً .
المستمع :
 بارك الله بك ، وجزاك عنا كل خير إن شاء الله ، دكتور أنا أريد استفساراً أو توضيحاً ؛ أيهما أفضل إقامة سنة الرسول عليه الصلاة والسلام في كل حياتنا ، سواء في الأفراح ، في الأتراح ، في الصلوات ، أي هناك كثير من الناس لا يصلون السنن نهائياً ، أعطيك مثالاً ، ما بالك بالسلوكيات الأخرى ؟ مثلاً مقاطعة المنتجات الغربية لنصرة الرسول ، أيهما أفضل لنصرة الرسول إقامة سننه بما يرضيه ويرضي الله عز وجل أم المقاطعة ؟

وجوب طاعة الله ورسوله ومقاطعة الدول المسيئة للنبي عليه الصلاة والسلام :

الدكتور محمد راتب :
 لا يتناقضان ، نطيع الله ، ونطيع الرسول ، ونقاطع البضاعة التي أمر أولو الأمر بها .
المذيع:
 أي لا يشترط الإنسان أن يختار ، يمكن أن يقاطع بضاعة الدول المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم ، وأيضاً أن يطبق السنة ؟
الدكتور محمد راتب :
 نعم .
المذيع:
 يقاطع الدول المسيئة للنبي عليه الصلاة والسلام ، ويطبق السنة .
 معنا طارق باتصال جديد ، تفضل أخي طارق .
المستمع :
 بارك الله بكم على هذا البرنامج ، وجزاكم الله كل خير ، أريد أن أسأل دكتورنا ، بالنسبة للفرائض ، هل يوجد سنن مثلاً ترقى لمستوى الفرائض بالفرض ؟ والسؤال الثاني هل ممكن أن تختلف الفرائض بين الشافعية والحنابلة أي بين المذاهب الأربع ؟

من أطاع رسول الله فقد أطاع الله :

الدكتور محمد راتب :
 اسمع الآية الكريمة :

﴿ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ( 7 ) ﴾

[ سورة الحشر]

 قرآن ، أنت إذا أطعت رسول الله تطيع الله ، إن أطعت رسول الله في سنته طبعاً الثابتة، لأن في السنة أحاديث ضعيفة ، وموضوعة ، نحن مع النبي الكريم نطبق أمر الله

﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾

 الآن أدق من هذا :

﴿ آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾

 فأنت إذا أطعت رسول الله كأنك أطعت الله .
المستمع :
 دكتورنا ؛ حدد المهام ما السنن التي ممكن أن ترقى لمستوى الفريضة ؟ السؤال الثاني ممكن أن يعطيني الجواب عنه بارك الله بك .
المذيع:
 وضح سؤالك شكراً لك طارق ، شيخنا سؤال أخينا طارق ، هل بعض السنن يمكن في بعض اللحظات أن ترتقي لتصبح فريضة أم أن السنة تبقى سنة وإن عرفنا مرتبتها كالسنة الراتبة ؟

السنة سنة والفرض فرض :

الدكتور محمد راتب :
 لا ، السنة سنة ، والفرض فرض ، عفواً ، أكل مالاً حراماً ، لمن أحياناً يكون التوضيح بالبيع أقل مما ينبغي ، أحياناً تأتي بضاعة Made in Germany ، هي صنعت في البلد ، فهذه صار فيها تزوير ، الحقيقة أن الدين يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية.
المذيع:
 لكن القصد سيدنا ، ألا يوجد سنة في يوم من الأيام يمكن أن يتحول حكمها من سنة لتصبح فريضة ؟
الدكتور محمد راتب :
 لا ، السنة سنة .
المذيع:
 هل في السنن مراتب ؟

مراتب السنن :

الدكتور محمد راتب :
 يوجد سنة مؤكدة ، وسنة غير مؤكدة .
المذيع:
 ما المقصود بالسنة المؤكدة شيخنا ؟
الدكتور محمد راتب :
 مثلاً بالصلوات ، سنن الصلاة راتبة هذه كلها مؤكدة .
المذيع:
 مؤكدة أي النبي كان يفعلها دائماً .
الدكتور محمد راتب :
 نعم يفعلها دائماً ، أما شخص استيقظ بالليل ، صلى ست ركعات ، أو ثماني ركعات، صار هذا قيام ليل ، أراد أن يصوم الاثنين والخميس لا يوجد ، هذه سنة غير مؤكدة .
المذيع:
 جميل ! الله يفتح عليكم شيخنا ، كلام مهم ، وكلام جميل ، أنوه مرة أخرى لمستمعينا الراغبين بالمشاركة بموضوعنا حول السنن والفرائض .
 السؤال الثاني لأخينا طارق شيخنا الحبيب ، هل يمكن أن تختلف بعض الفرائض بين المذاهب الفقهية ؟ هل يمكن أن يكون الشيء فرضاً في مذهب وغير فرض في مذهب آخر أم أن الاختلاف في السنن ؟

الفرائض مقطوع بها أما الاختلاف فقد يكون في السنن فقط :

الدكتور محمد راتب :
 لا في السنن فقط ، الفرائض فرائض ، مقطوعٌ بها .
المذيع:
 كلها لها نصوص شرعية قطعية دكتور ، أما النصوص غير القطعية التي يختلف أحكامها فهنا يكون اختلاف الأحكام الفقهية ، بارك الله بك للتوضيح .
 شيخنا الحبيب ؛ سوف نتوقف نحن وإياكم مستمعينا الكرام إلى هذا الفاصل ونعود بعد ذلك لنتم حلقتنا مع فضيلة العلّامة الدكتور محمد راتب النابلسي ، بعد الإعلان .
 حياكم الله مستمعينا الأكارم ، من جديد أهلاً ومرحباً بكم معنا ، على الهواء عبر أثير إذاعتكم حياة FM ، نتواصل نحن وإياكم في برنامجكم مع الدكتور محمد راتب النابلسي ، شيخنا الحبيب نستأذنكم بالمزيد من مشاركات مستمعينا .
 معنا مأمون من السويد ، تفضل أخي مأمون .
المستمع :
 السلام عليكم ورحمة الله ، سيدنا الكريم ، سؤال لو تكرمتم ، هل ينطبق الحكم الشرعي في اتباع ولي الأمر ، أو السمع له والطاعة ، حتى وإن كان خارج المذهب الإسلامي ينضوي تحت هذا الشرط ؟

لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق :

الدكتور محمد راتب :
 الملمح بحرف واحد :

﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾

 أطيعوا الله استقلالاً ، وأطيعوا الرسول استقلالاً

﴿ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾

 منكم .
المذيع:
 شيخنا ؛ أخونا مأمون يعيش في السويد ، يأخذ حقوقه ، ويتعلم ، ويدفع الضرائب ، هل يعتبر الحاكم هناك ولي أمر عليه أن يطيعه ؟
الدكتور محمد راتب :
 لا ، يطيعه في حدود ، في حدود لا تتعارض مع الشرع ، الحاكم فيه الكثير من المزايا ، نأخذ المزايا ، هو عمل نظاماً للسير ، أطيعه ، أطيعوا الله استقلالاً ، وأطيعوا الرسول استقلالاً ،

﴿ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾

المذيع:
 إذاً في تعليمات الدولة يطيعه بشكل كامل ، لكن لو كان - لا قدر الله- هناك شيء يتنافى مع الحكم الشرعي مثلاً أُلزم الناس الربا ؟
الدكتور محمد راتب :
 لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
المذيع:
 بارك الله بك ، إن شاء الله تكون وضحت أخي مأمون ، شكراً لك .
 معنا أم أحمد تفضلي .
المستمعة :
 السلام عليكم بارك الله بعمرك سيدي ، أسعد الله أوقاتك دائماً شيخنا الجليل ، أريد أن سأل بخصوص سنة الجمعة بالجماعة هل هي سنة مؤكدة ويجب أن نقوم بها ركعتين قبل صلاة الجماعة وركعتين بعد صلاة الجماعة صحيح ؟

سنة الجمعة بالجماعة هي سنة مؤكدة :

الدكتور محمد راتب :
 نعم ، هكذا .
المستمعة :
 إن شاء الله أطال الله بعمرك شيخنا .
المذيع:
 شكراً لك أم أحمد ولمشاركتك معنا ، شكراً جزيلاً .
 شيخنا الحبيب ، قبل الفاصل ذكرتم بأنه الإنسان عليه أن يلتفت لقضية السنة بأنها :

﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾

 ليست قضية كمالية ، إذا كان هناك استثناء يتركها ، وذكرتم قبل قليل شيخنا حينما كنا نتحدث قبل الفاصل ، في قوله تعالى :

﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173) ﴾

[ سورة البقرة]

 كيف نربطها في موضوع ترك السنن ؟

الابتعاد عن ترك السنة إلا لاضطرار فقط :

الدكتور محمد راتب :
 أولاً :

﴿ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ ﴾

 لا ينبغي ترك السنة ، لكنه مضطر ، الله عز وجل المضطر ينصره ولو لم يكن مسلماً ، أي

﴿ فَمَنِ اضْطُرَّ﴾

 لا ينبغي أن يخالف رسول الله ، أما كان عنده وقت صعب مثلاً رحلة إقلاع طائرة ،

﴿ وَلَا عَادٍ﴾

 ما اتخذ التقصير عادة له ثابتة ، فلا إثم عليه .
المذيع:
 لكن إذا كان الإنسان في نفسه يتفلت منها أو عادةً حتى لو سنن يصبح فيها إثم .
 على الطرف الآخر من هذه المسألة شيخنا ، بعض الأشخاص يهتمون بأداء بعض السنن ، أو النوافل قبل الفريضة ، مثلاً قد يأتي إنسان في ليلة من ليالي رمضان ، يطول في التراويح ، أو يطول في السهر ، وينام عن فريضة الفجر ، ما تعليق فضيلتكم ؟

من توهم أن أمراً ما فوق طاقته فهو جاهل :

الدكتور محمد راتب :
 خطأ كبير ، الفرض فرض ، لابد من أن يؤدى على أحسن وجه ، تأتي بعده السنة .
المذيع:
 الثاني أقول لك : نترك التراويح والقيام ، ونصلي فقط فرضي العشاء والفجر ، هل من حل وسط شيخنا بين المنهجين ؟
الدكتور محمد راتب :
 سيدي أولاً النقطة الدقيقة إذا توهم متوهم أن هذا الأمر فوق طاقته فهو جاهل لأن الله عز وجل قال :

﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)﴾

[ سورة البقرة ]

 الذي يعلم الوسع هو الله ، وليس أنا ، وأي شيءٍ توهم صاحبه أنه لا يستطيعه ، هو في الحقيقة لا يريد أن يفعله

﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا ﴾

 القضية حسمت ، المنهج التفصيلي لهذا الدين افعل ولا تفعل ، العبادات ، المعاملات ، كل شيء الله أمر به تفعله ضمن طاقتك ، وكل توهم أنه فوق طاقتنا هذا توهم غير صحيح ، وبالحقيقة الخلفية يريد ألا يفعله .
المذيع:
 يوجد مثال ذكرناه شيخنا في صلاة التراويح ، والنوم عن صلاة الفجر ، هنا الخلل أنه اهتم بالسنة أكثر من الفريضة ، ولكن ليس الحل أن يصلي الفجر ويهجر التراويح .
الدكتور محمد راتب :
 أنا أقسم بالله ولا أحنث بهذا القسم ، إذا علم الله منك صدقاً في صلاة الفجر في وقتها لو وضعت عشرة منبهات تستيقظ قبلها بدقيقة ، اسأله ، هذه اسمها : ساعة الرأس بعلم النفس ، الآن انظر كل سفراتنا ، الإقلاع الساعة السابعة ، المطار يحتاج إلى نصف ساعة مثلاً ، وساعتين ، لا يمكن للمنبه أن يوقظك ، تستيقظ وحدك ، الإنسان إذا أراد أن يفعل شيئاً في وقتٍ ما ، هذه سموه العلماء : ساعة الرأس ، تستيقظ قبل دقيقة .
المذيع:
 أكرمكم الله دكتور ، ونختم حلقتنا بالدعاء .

الدعاء :

الدكتور محمد راتب :
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك ، أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارضَ عنا، اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين ، واحقن دماء المسلمين في كل مكان .